الوصف
شهدت الفترة الماضية تطوراً كبيراً في العلاقات السعودية المغربية، تكلل ببدء مشاورات سياسية مشتركة، وتوقيع عديد من الاتفاقيات المتبادلة بين البلدين في قطاعات تجارية واقتصادية وثقافية.
ويعكس توقيع عديد من الاتفاقيات بين السعودية والمغرب، وجود توجه رسمي بين البلدين نحو تطوير العلاقات وتعزيزها والتقدم بها إلى مسار جديد، خاصة في المجال الاقتصادي.
وتظهر الأرقام، أن السعودية تعد الشريك التجاري الأول للمغرب في العالم العربي؛ حيث وصلت القيمة الإجمالية للتجارة البينية إلى 1.76 مليار دولار في 2021، وفق بيانات رسمية.
ووفق معطيات مغربية رسمية، يبلغ عدد الاستثمارات السعودية في المغرب 240 مشروعاً، فيما يوجد بالسعودية 11 مشروعاً استثمارياً مغربياً.
كما سجلت صادرات السعودية غير النفطية إلى المغرب خلال السنوات الخمس الماضية (2016-2021)، ما قيمته 9.17 مليارات ريال سعودي (2.439 مليار دولار).
اللجنة المشتركة
ويعد عقد اجتماع للجنة السعودية – المغربية بعد توقفٍ 9 أعوام، أبرز مظاهر تحسُّن العلاقات بين البلدين، واعتزامهما التوسع في المجالات الاقتصادية.
واجتمع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، بالرباط، في يونيو الماضي، ضمن الدورة الـ13 للجنة المشتركة بين البلدين.
وقال الوزير السعودي: إن “هناك عديداً من الفرص الاستثمارية المستقبلية بين الرياض والمملكة المغربية”، مشيراً إلى أن البلدين لم يستغلا كثيراً من هذه الفرص خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن الاجتماع المشترك استشعر الفرص المتاحة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، لافتاً إلى وجود فرص مستقبلية للتعاون في مجالات المعادن وعدد آخر من القطاعات الاستثمارية.
وشدد على أن هناك شعوراً بأنه لم يتم استغلال كل فرص التعاون، “لذلك نعمل على أن يكون اجتماع اليوم دافعاً لتوقيع عدد من الاتفاقيات، وندرس عدداً من مذكرات التفاهم”.
تطور اقتصادي
وفي القطاع الاقتصادي، بدأت الفترة الأخيرة تشهد تطوراً في العلاقات التجارية بين السعودية والمغرب، حيث دعت الرباط إلى رفع المبادلات التجارية مع السعودية إلى 5 مليارات دولار سنوياً، خلال الأعوام الـ5 المقبلة.
جاء ذلك في كلمة لوزير التجارة المغربي رياض مزور، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي المغربي السعودي بالدار البيضاء (4 أكتوبر 2022).
ودعا مزور إلى “تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين”، واصفاً المبادلات التجارية بين البلدين بـ”المتواضعة” (ضئيلة)، والتي بلغت 1.6 مليار دولار، خلال السنة الماضية.
ولفت إلى أن هذا الهدف “في المتناول في ظل وجود فرص وإمكانات هائلة لدى البلدين”، مشيراً إلى أن الاستثمار في المغرب “تستفيد منه دول من مختلف العالم، مثل الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية”.
في المقابل دعا وزير التجارة السعودي ماجد القصبي، الذي رأس وفداً سعودياً ضم أكثر من 90 مسؤولاً يمثلون أكثر من 14 جهة حكومية، و62 من رجال الأعمال، لتوطيد العلاقات الاقتصادية المغربية.
وقال القصبي: إن “أرقام المبادلات بين البلدين لا ترقى إلى طموحات البلدين”، معتبراً أن البلدين “يمتلكان مقومات لتقوية المبادلات التجارية”.
وأضاف أن بلاده “تشهد حراكاً في كل الأنشطة، مثل التعليم والسياحة والثقافة والبنى التحتية والرياضة”، داعياً إلى “تعزيز التواصل من أجل الكشف عن الفرص”، كما كشف أنه سيتم افتتاح الملحقية التجارية السعودية في الدار البيضاء.
وأوضح أن الملحقية “تعنى بتقديم معطيات عن فرص المبادلات والاستثمارات في البلدين وتسهيل عملية التبادل التجاري والاستثماري”.
اتفاقيات ثنائية..
وفي السياق، أعلنت السعودية والمغرب توقيع اتفاق ثنائي في مجال النقل الجوي يهدف إلى تقوية علاقات التعاون في القطاع بين البلدين.
وأكدت وزارة النقل واللوجستيك المغربية، في بيان لها، (5 أكتوبر 2022)، أن وزير النقل المغربي محمد عبد الجليل، ونظيره السعودي صالح الجاسر، وقعا الاتفاق، على هامش أشغال الدورة الـ41 للجمعية العامة لمنظمة الطيران المدني الدولي التي انعقدت في مدينة مونتريال الكندية.
وأفادت الوزارة المغربية بأن الاتفاق يهدف إلى “إعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون بين البلدين في مجال النقل الجوي، وتحرير السعة وعدد الرحلات، والأحكام المتعلقة بالسلامة الجوية وأمن الطيران وحق إبرام اتفاقيات للتعاون التجاري بين شركات النقل الجوي التابعة للطرفين”.
وفي بداية أكتوبر أيضاً، وقعت الحكومة السعودية اتفاقيتين مع نظيرتها المغربية تتعلقان بمقاييس الجودة ومنتجات الغذاء الحلال، وذلك بهدف زيادة التبادل التجاري بين البلدين.
كما كشف رئيس مجلس الأعمال المغربي السعودي خالد بنجلون، عن استعدادات لافتتاح خط بحري بين المغرب والسعودية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لإعطاء دينامية جديدة للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين.
جاء ذلك في تصريح لـ”بنجلون” لوكالة المغرب الرسمية، في أبريل الماضي، عقب اختتام أشغال منتدى الأعمال المغربي السعودي في جدة، حيث أوضح أن اتحاد الغرف السعودية وقع اتفاقية مع شركة للشحن البحري لإنشاء خط بحري مباشر بين المغرب والسعودية.
وأعرب بنجلون عن الأمل في أن يساهم هذا الخط البحري في تطوير الشراكة بين الجانبين والارتقاء بها إلى مستوى مؤهلات البلدين وطموحات شعبيهما.
وفي السياق ذاته، ذكرت وكالة “الأناضول” للأنباء أن وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، اتفق مع نظيره السعودي، بندر بن إبراهيم الخريف، على “خارطة طريق” للتكامل الصناعي بين البلدين.
عراقيل وعقبات..
الباحث والصحفي المغربي نور الدين اليزيد، يؤكد أن وثيرة التبادل التجاري والرواج الاقتصادي بين المملكتين السعودية والمغربية لا ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية القائمة بين قيادتي البلدين.
ويوضح “اليزيد” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: أن زيارة الوفد السعودي الذي ضم عديداً من المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الخاص، إلى المملكة المغربية “تأتي في سياق الإسراع ببلورة طموحات حكومتي البلدين على أرض الواقع”.
ويبين، أن السنوات الأخيرة عرفت تطوراً ملحوظاً في مستوى التبادل التجاري، بين الرياض والرباط، إلا أن الأرقام تبقى بعيدة عن ما تأمله وتطمح إليه القيادة في المملكتين وكذبك الشعبين.
ويضيف: “لعل عدم وصول الأرقام إلى ما تطمح له قيادة البلدين، يعود إلى نوع من البيروقراطية والصعوبات الإدارية، وربما أيضاً إلى بعض الوقائع والأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة، من حين لآخر، والتي تكون نتيجتها غياب بنيات أساسية من قبيل خطوط بحرية مباشرة بين المملكتين، وقوانين أو اتفاقيات ثنائية في مجال الجمركة والتضريب، تسهل تنقل الرأسمال والأشخاص، من قبيل تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على قطاعات ومنتوجات معينة”.
ويبّن أنه على الرغم من العلاقات السياسية التاريخية التي تربط البلدين، وخاصة إزاء بعض القضايا المصيرية، سواء في ما يتعلق بقضية الصحراء بالنسبة للمغرب، إلا أن علاقات المملكتين تبقى دون المأمول والمستوى المطلوب، ولعل ما يعضد هذا التوجه هو غياب أي اتفاقية تبادل تجاري حر ثنائية بين البلدين.
المنتدى الاقتصادي
والمنتدى الاقتصادي السعودي المغربي انعقد يوم (4 أكتوبر 2022)، في مدينة الدار البيضاء، والذي نظمه اتحاد مقاولات المغرب واتحاد الغرف السعودية، يُعد أحد أبرز مظاهر تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وشارك في المنتدى 130 شركة سعودية ومغربية؛ وذلك لدفع الشراكة الاقتصادية التي تربط بين المملكتين وتقوية التعاون التجاري وتسريع الاستثمارات في القطاعات المستهدفة.
وخلال أعمال المنتدى، أكد وزير التجارة والصناعة المغربي، رياض مزور أن حجم التبادل التجاري بين السعودية والمغرب لا يزال متواضعاً، والهدف هو رفعه إلى 5 مليارات دولار سنوياً خلال السنوات القادمة.
وبين مزور أن تحقيق الهدف ممكناً في ظل الفرص والإمكانات الهائلة لدى البلدين، داعياً المستثمرين السعوديين للاستفادة من 670 مشروعاً صناعيًّا بالمغرب.
إلى ذلك، قال رئيس اتحاد الغرف السعودية عجلان العجلان: “إن الزيارات المتبادلة من قبل المسؤولين وأصحاب الأعمال، والاتفاقيات المبرمة في الجانب الاقتصادي ساعدت على أن يحقق التبادل التجاري نمواً متسارعاً في السنوات الأخيرة”.
وأضاف العجلان: “سجّل التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من عام 2022، نحو 9.7 مليارات ريال (2.580 مليار دولار)، وهو أعلى من حجم التبادل التجاري لعام 2021 كاملاً، حيث بلغ نحو 5 مليارات ريال (1.329 مليار دولار)، فيما تضاعفت الاستثمارات المشتركة بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية في القطاعات الاقتصادية المختلفة كالصناعة والعقار والسياحة والزراعة”.
وأوضح أن الاتحاد ومن خلال مجلس الأعمال السعودي المغربي يسعى إلى إحداث تحوُّل نوعي في العلاقات الاقتصادية بين المملكتين وذلك بدراسة وتحليل الفرص التجارية والاستثمارية والوقوف على المزايا التنافسية في الاقتصاد السعودي والمغربي بهدف تطوير الآليات المناسبة وابتكار السبل الفاعلة لتنمية العلاقات وتهيئة البيئة التجارية والاستثمارية، وتوفير الشراكات النوعية، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين أصحاب الأعمال.
بدوره، أوضح رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب العلج، أن عدد الشركات السعودية المؤسسة في المغرب يقارب 250 شركة، فيما بلغ عدد الشركات المغربية 20 شركة بالمملكة.
وبيّن “العلج”، أن الظروف الاقتصادية الحالية تحتم العمل المشترك لتعزيز الأمن الغذائي لكلا البلدين من خلال تطوير الزراعة وبناء سلاسل قيم جديدة متكاملة مبنية على الابتكار والاستدامة.
وأضاف أن “المنتدى يشكل فرصة لتحديد الوسائل التي من شأنها تطوير شركاتنا وتعزيز أنشطتها خارج السوقين المغربي والسعودي”، داعياً إلى العمل على تخفيف القيود الإدارية والحواجز غير الجمركية وإنشاء صندوق استثماري مغربي سعودي لتسهيل التجارة والاستثمار بين البلدين.