تسعى السعودية وأوزبكستان إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية، وزيادة التعاون الاقتصادي، في الوقت الذي يتطلع فيه البلدان إلى اقتناص الفرص الاستثمارية المتاحة في إطار الاستراتيجيات التنموية، وتحويلها إلى مشاريع واقعية.
وفي هذا الإطار قام الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف، بزيارة رسمية إلى السعودية، خلال الفترة ما بين يومي 17 و18 أغسطس 2022، تلبية لدعوة الملك سلمان بن عبد العزيز، التي تزامنت مع مرور الذكرى الثلاثين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وأوزبكستان.
تعاون اقتصادي
وتصدّر الملف الاقتصادي المباحثات السعودية الأوزبكية، حيث أكد الجانبان أهمية استمرار بذل الجهود لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في ضوء "رؤية المملكة 2030"، واستراتيجية "أوزبكستان الجديدة"، لتحقيق المنفعة المتبادلة للبلدين.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية، فقد دعا الجانبان إلى تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة في البلدين، واستكشاف وتطوير مجالات الاستثمار في ضوء رؤية المملكة 2030، والأولويات التنموية في أوزبكستان.
ورحب الجانبان بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم؛ منها اتفاقية الربط الجوي، وحثا الجهات المعنية في البلدين على تفعيل ما وقع من اتفاقيات ومذكرات بين الجانبين، وتشجيع القطاع الخاص السعودي والأوزبكي على تفعيل المشاريع الاستثمارية، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وتعزيز التعاون في مختلف القطاعات.
كما أشاد الجانبان بالتعاون القائم عبر اللجنة الحكومية السعودية الأوزبكية المشتركة، وتأسيس مجلس الأعمال السعودي الأوزبكي، ورحبا بما أعلن من صفقات واتفاقيات استثمارية وتجارية تقدر بأكثر من 12.5 مليار دولار خلال زيارة ميرضيائيف، وعقد منتدى الأعمال السعودي الأوزبكي، ومجلس الأعمال السعودي الأوزبكي.
وعبّر الجانب الأوزبكي عن تقديره لما تقدمه المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية من تمويل ميسر لمشروعات وبرامج تنموية في مختلف المناطق الأوزبكية.
الطاقة والمناخ
وفي ملف الطاقة أعرب البلدان عن تطلعهما إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، وتطوير مشروعاتها من مصادرها المتنوعة؛ مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، إضافة إلى دراسة الفرص الاستثمارية في هذا المجال.
ونوهت وكالة الأنباء السعودية بأن الجانبين أكدا رغبتهما المشتركة في التعاون في مجالات الغاز والبتروكيماويات، والأسمدة، والاستخدامات المبتكرة للمواد الهيدروكربونية، والهيدروجين النظيف، وتطوير البنية التحتية لالتقاط الكربون واحتجازه واستخدامه، وكذلك مجالات كفاءة الطاقة، وقطاع الكهرباء ومشروعاتها.
كما لفتت الوكالة إلى ضرورة العمل على توطين منتجات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، وإيجاد الفرص المشتركة لتوريد المنتجات بين البلدين بما يحقق المنفعة المشتركة لسلاسل الإمداد وتأمينها واستدامتها.
كما اتفق الجانبان على أهمية تبادل الخبرات في مجالات التعاون السابقة، والاستفادة من تجربة المملكة في قطاع الطاقة في بناء القدرات البشرية والإمكانيات الفنية.
وشدد الجانبان على أهمية الالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، واتفاقية باريس، وضرورة تطوير وتنفيذ الاتفاقيات المناخية بالتركيز على الانبعاثات دون المصادر، مع تحقيق نهج متوازن وشامل لتحولات الطاقة يعالج تحديات التغير المناخي والاستدامة، بالمواءمة مع تلبية الاحتياجات الملحة والمتنامية للطاقة في العالم، ودعم النمو الاقتصادي العالمي.
وتتولى شركة "أكوا باور" السعودية، بموجب اتفاقية سابقة، تنفيذ وتطوير وبناء وتشغيل مشروع طاقة رياح، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1,500 ميغاواط بمنطقة كاراكالباكستان الأوزبكية، لتصبح المحطة -عند تشغيلها- الكبرى من نوعها في منطقة آسيا الوسطى، وإحدى أكبر محطات طاقة الرياح على مستوى العالم.
شهدت الزيارة مباحثات بين الرئيس الأوزبكي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واتفق الجانبان على تعزيز أواصر الأخوة والعلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما، ووقعت 14 اتفاقية بمختلف المجالات.
وبحسب صحيفة "مكة" السعودية، شملت تلك الاتفاقيات مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الشؤون الإسلامية، واتفاقية للتعاون في مجال الطاقة، ومذكرة تفاهم للتعاون وتبادل الأخبار بين وكالات الأنباء في البلدين.
كما اتفق الجانبان على التعاون في مجالات التعليم والعلوم والتقنيات، والتعاون في مجال الصحة، والسياحة، والرياضة، والزراعة وتطوير البيطرة والثروة الحيوانية، وتوظيف العمالة، وحقوق الإنسان.
وتضمنت الاتفاقيات التعاون والمساعدة المتبادلة في المسائل الجمركية، وخدمات النقل الجوي.
علاقات وثيقة
وتعود العلاقات بين السعودية وأوزبكستان إلى عام 1991، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال طشقند عن الاتحاد السوفييتي آنذاك.
ويشير اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا) إلى أن العلاقات بين البلدين شهدت زخماً متزايداً خلال الفترة الأخيرة، مع تكثيفهما للزيارات المتبادلة والأنشطة المشتركة.
وفي يوليو 2021، زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أوزبكستان، في إطار تفعيل العلاقات الثنائية، كما شارك في المؤتمر الدولي "وسط وجنوب آسيا: الترابط الإقليمي، التحديات والفرص".
وعلى المستوى الاقتصادي يسعى البلدان إلى تعزيز التبادل التجاري بينهما، حيث بلغت مؤشرات التجارة، في الفترة من يناير إلى يونيو 2022، أكثر من 95 مليون دولار أمريكي.
وخلال الفترة الأخيرة تبادل البلدان زيارات لوفود اقتصادية برئاسة كبار المسؤولين من الجانبين لتعزيز التعاون الاقتصادي في المجالات المختلفة.
وفي مارس الماضي، أجرى وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، زيارة رسمية إلى أوزبكستان، التقى خلالها بالرئيس الأوزبكي، وشارك في رئاسة الاجتماع الخامس للجنة السعودية الأوزبكية المشتركة، وحضر منتدى طشقند العالمي للاستثمار.
وخلال الزيارة ترأس وزير الاستثمار السعودي وفد المملكة الذي يضم مسؤولين من الجهات الحكومية، وقادة القطاع الخاص، ليناقشوا مع نظرائهم الأوزبكيين سبل التعاون في قطاعات الصحة، والزراعة، والتجارة، والطاقة، والبتروكيميائيات.
كما زار سردار عمر زاقوف، نائب رئيس الوزراء، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية الأوزبكي، في أبريل الماضي، المملكة وأجرى مباحثات في عدد من الوزارات السعودية، وناقش سبل تعزيز وتوسيع التعاون في القطاعات ذات الأهمية للطرفين.
أهمية استراتيجية
يعتقد المحلل الاستراتيجي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي أن أهمية الاتفاقيات الجديدة بين السعودية وأوزبكستان تكمن في أنها ستساعد على تقوية علاقات البلدين، كما أنها تسهم في دعم استراتيجية المملكة للاستثمار في آسيا الوسطى، إذ تمثل أوزبكستان نقطة الارتكاز في هذه الاستراتيجية.
ويبين "الشتلي" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن السعودية عقدت مع أوزبكستان اتفاقيات استثمارية في المجالات الحيوية والخدمية كالطاقة والغذاء والسياحة، ومن أهمها مشروع الري ومحطات تحلية المياه في محافظة بخارى، ومشروع طريق سمرقند الذي سيكون نقلة نوعية في مجال النقل والمواصلات في آسيا الوسطى.
وحول دلالات زيارة الرئيس الأوزبكي إلى السعودية في هذا التوقيت يؤكد الشتلي أن الزيارة مرتبطة بالتغيرات الجيوسياسية التي تمر بها منطقة آسيا الوسطى، لا سيما بعد عودة طالبان لحكم أفغانستان والحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات التي حصلت في كازاخستان، حيث أصبحت آسيا الوسطى تحت أنظار العالم.
ويلفت الخبير في الشؤون الإقليمية والدولية إلى أن أوزبكستان تهدف لجذب رؤوس الأموال والعلاقات السياسية مع السعودية ودول الخليج بشكل عام، كما تهدف زيارة الرئيس الأوزبكي إلى الرياض لتعميق هذه العلاقة التي ستنعكس إيجاباً على البلدين في عدة مجالات مهمة وحيوية.
ويرى الشتلي أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيعتمد على مدى جدية الطرفين في تنفيذ هذه الاتفاقيات وترجمتها على أرض الواقع إلى مصالح مشتركة تساعد في تنمية هذه العلاقة وتقويتها بتنفيذ المشاريع الحيوية.